الدكتور باكري سامب
مدير معهد تمبكتو - المركز الأفريقي لدراسات السلام
إن الأزمة الغذائية العالمية المتفاقمة والناجمة من الصراعات التي اندلعتْ في الشرق الأوسط والحرب في أوكرانيا والمخاطر المناخية تتطلب إعادة توجيه التعاون العربي الأفريقي. في الوقت الذي تتوقع الدراسات بأن يواجه نحو 146 مليون شخص في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى انعدام الأمن الغذائي الحاد بحلول عام 2024، يتعين على الدول العربية والأفريقية تكثيف شراكاتها لضمان الأمن الغذائي. ويؤثر ارتفاع أسعار الحبوب بشكل متزايد على الاقتصادات العربية والإفريقية، ذلك لأنه شهدت جمهورية مصر التي تستورد 70% من قمحها من روسيا وأوكرانيا ارتفاع الأسعار بنسبة 25% في عام 2022، بحسب المنتدى الاقتصادي العالمي. وفي غرب أفريقيا، واجه 49.5 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي الحاد بين يونيو وأغسطس 2024، أي بزيادة قدرها 4% عن عام 2023، وفقاً لمنظمة وورلد فيجن غير الحكومية. وتؤدي الاضطرابات في البحر الأسود والبحر الأحمر، المرتبطة بالصراعات، إلى زيادة تكاليف الخدمات اللوجستية، مما يؤثر على دول مثل الصومال واليمن، حيث يعاني 50% من السكان (16 مليون شخص) من سوء التغذية.
وهذه الأرقام تسلط الضوء على مدى الحاجة الملحة لتنويع مصادر الإمدادات وتعزيز الزراعة المحلية، وتؤدي التنافسات الجيوسياسية في الشرق الأوسط إلى تعقيد التعاون، وتتردد أصداء التوترات بين إيران ودول الخليج في منطقة القرن الأفريقي، حيث يعيش 66% من سكان العالم الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي. وفي منطقة الساحل، تتعذر إمكانيات الإنتاج الزراعي بسبب انعدام الاستقرار، ويعاني 27 مليون شخص من الجوع في عام 2022، وهو رقم قد يصل إلى 38 مليونا في حالة عدم تدخل عاجل، بحسب الجزيرة. وتستثمر الدول العربية، مثل الإمارات، في الأراضي الأفريقية، ولكن أجندتها الاستراتيجية يجب أن تتوافق أيضاً مع الاحتياجات المحلية لتجنب اختلال التوازن.
ونرى أنه على الرغم من هذه الصعوبات، فإن أزمة الغذاء توفر فرصاً سانحة، حيث قامت دول الخليج بتمويل مشاريع زراعية، كما هو الحال في السودان، حيث استفاد 3.3 مليون هكتار من مساعدات مكافحة الجراد. وفي مالي، حيث تتوفر فرص استثمارات كبيرة للدول العربية، مكّن مشروع كبير ثلاثة ملايين مزارع (39% منهم نساء) من زيادة إنتاجهم من خلال توليد دخل إضافي. ويمكن للبنك العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا، وهو أداة مركزية للتعاون العربي الأفريقي، أن ينسق التمويل الكبير والاستراتيجي، في حين يمكن للمغرب، بفضل تقنياته وخبرته في الري، أن يدعم بشكل أكبر البلدان الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، وخاصة في توفير الأسمدة من خلال مكتب الشريف للفوسفاط (OCP).
إن النهج المتعدد الأطراف ضروري ويظل ذا أهمية في السياق الحالي، وتنفيذ اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية قد يعزز التجارة الزراعية، حيث من المتوقع أن ترتفع واردات الأغذية الأفريقية من 43 مليار دولار إلى 110 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2025. ويمكن للدول العربية تمويل التدريب وبناء القدرات المكثفة في أفريقيا، ولكن يتعين عليها أيضاً تجنب عمليات الاستحواذ المثيرة للجدل على الأراضي من خلال تعزيز النماذج الشاملة والتعاونية مع نظيراتها الأفريقية. وفي ضوء كل هذه القضايا الحاسمة، فإن أزمة الغذاء الحالية تتطلب تعاوناً عربياً أفريقياً أقوى وأكثر ديناميكية. ويمكن لأفريقيا والعالم العربي التغلب على هذه التحديات بشكل صحيح إذا جمعا بين مساهمة رأس المال العربي وتوفير الموارد الأفريقية. وإذا لم يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة ستتفاقم مشكلة الجوع وعدم الاستقرار في المنطقة، ومن المعلوم أن الاستثمار في الزراعة المستدامة تحمل آثارا إيجابية كبيرة، من أجل بناء مستقبل مشترك ومرن في إطار التعاون العربي الأفريقي المعزز لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية بشكل أفضل.