Imprimer cette page

منتدى الأمن العالمي في قطر: دروس من الدوحة ومستقبل السلام في منطقة الساحل

د. بكاري سامب
رئيس معهد تمبكتو لدراسات السلام

شاركت هذا الأسبوع في منتدى الأمن العالمي في الدوحة، الذي نُظم بالتعاون بين مركز صوفان وأكاديمية قطر الدولية للدراسات الأمنية "QIYASS"، وجمع عددًا كبيرًا من الخبراء لمناقشة سبل ابتكار حلول فاعلة لتحقيق السلام العالمي. وتأتي هذه المشاركة في غاية الأهمية، إذ عززت – بعد الاستماع إلى مختلف المداخلات وتقديم ورقتي – قناعتي، وقناعة معهد تمبكتو لدراسات السلام الذي أتشرف بتمثيله، بأن قوة الحوار قادرة على تجاوز الحواجز كافة، والوصول إلى السلام دون الحاجة إلى اللجوء للعنف بأي شكل من الأشكال.

وفي سياق مواجهة خطر الإرهاب، لا سيما في منطقة الساحل، يتضح بلا شك أن دولة قطر، استنادًا إلى تجربتها في مناطق أخرى، مؤهلة لأن تلعب دورًا استراتيجيًا في دعم الاستراتيجيات الرامية إلى تحقيق السلام الدائم. فقد برز للجميع أن قطر طالما شجعت الحوار مع مختلف الأطراف الفاعلة – سواء كانت دولًا كبرى كالولايات المتحدة، أو خصومًا سياسيين كإيران، أو حتى جماعات غير حكومية – مما رسّخ مكانتها كوسيط محايد وفعّال. ويُعد نجاح اتفاق الدوحة مع حركة طالبان عام 2020، إضافة إلى مساهماتها في إطلاق سراح الرهائن في سوريا، شاهدًا على خبراتها العميقة التي يمكن أن تستفيد منها دول الساحل الإفريقي التي تعاني ويلات الحرب منذ سنوات.

وفي الاتجاه ذاته، أرى أن منطقة الساحل بحاجة ماسّة إلى هذه الخبرات، لا سيما في ما يتعلق بتعزيز قدرات الدول، والمنظمات، ومراكز الفكر على تطوير استراتيجيات وأدوات دبلوماسية للتفاوض ووقف إطلاق النار. وهو ما دعا إليه عدد من الدبلوماسيين البارزين في المنتدى ذاته عام 2023، كما تبنّته سابقًا مبادرة الحوار الشامل في مالي. ويمكن لقطر أيضًا أن تسهم في دعم برامج إعادة الإدماج، والتعليم، والتدريب، ومكافحة التطرف، من خلال الاستثمار في التعليم والزراعة المستدامة، مع الإشارة إلى أن معالجة انعدام الأمن الغذائي – الذي يطال أكثر من 33 مليون شخص – تُعد من الركائز الأساسية في التصدي للعوامل المحفزة للإرهاب، وعلى رأسها الفقر وفقدان الأمل لدى الشباب، مما يدفع الكثيرين منهم للانخراط في صفوف الجماعات المتطرفة.

ويقدّم معهد الدوحة للدراسات العليا فرصًا ثمينة للطلاب من مختلف الدول للتدريب في مجالات إدارة النزاعات وحلّها، وتحويل الصراعات، والعمل الإنساني، والتفاوض، والوساطة، وبناء الدولة وإعادة الإعمار، من منظور إقليمي ودولي. ويمكن لمركز دراسات النزاع والعمل الإنساني – الذي أسهم بشكل ملموس في بلورة التفكير الاستراتيجي الذي قاد إلى نجاح العديد من مبادرات الحوار التي رعتها قطر – أن يؤدي دورًا محوريًا بالتعاون مع المعاهد الإقليمية، في نقل الدروس المستفادة من التجربة القطرية والبناء المشترك لحلول مستدامة للسلام والاستقرار، تتلاءم مع السياق الخاص بمنطقة الساحل.