Imprimer cette page

أهمية الحفاظ على وقف إطلاق النار لتجنب حرب إقليمية في الشرق الأوسط

الدكتور باكري سامب، رئيس معهد تمبكتو لدراسات السلام

يتميز الصراع بين إيران وإسرائيل - الذي أوشك أن يتحول إلى حرب إقليمية في يونيو 2025م - بالهجمات الإسرائيلية على المواقع النووية الإيرانية في فوردو، ونطنز، وأصفهان، والقصف الأميركي بعملية "مطرقة منتصف الليل"، والانتقام الإيراني ضد القاعدة الأميركية في " العديد " بدولة قطر.

وبفضل الوساطة القطرية، أعلن الرئيس دونالد ترامب في 23 يونيو عن وقف إطلاق النار، مما يوحي بأنه ليس هناك أي مصلحة ولا لأي طرف، سواء أكان إيران، أو إسرائيل، أو دول الخليج، أو الولايات المتحدة في اندلاع حرب في الشرق الأوسط. ولعل الوعي المشترك بهذه الحقيقة هو الذي أملى باتفاقية إنهاء الحرب الذي وافق عليها كل إيران وإسرائيل بقيادة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. لكن مجرد الإعلان عن الوقف لا يكفي، بل لا بد أن تتبع التصريحات بأعمال ملموس، علما بأنه إذا استمرت الهجمات من قبل إسرائيل أو إيران بعد هذه الهدنة، فقد يستأنف الصراع، مما يهدد المنطقة التي تقف بالفعل على شفا حريق هائل.

ومما لا يتناطح فيه كبشان أن إيران التي أضعفتها الضربات الموجهة إلى قدراتها الباليستية والنووية، لا تستطيع أن تخاطر بحرب شاملة، ونقول ذلك نظرا لضعف وكلائها من حزب الله والحوثيين اليمنيين والميليشيات العراقية، كما أن حليفيها من روسيا والصين لم يقدما سوى دعم محدود منذ بداية الصراع. إن أي هجوم إيراني جديد، و محاولة إغلاق مضيق هرمز، قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية الداخلية، ويهدد بانهيار النظام المتنازع عليه بالفعل. كما أن استئنافها للأعمال العدائية سيكون بمثابة انتحار لإيران و للممالك الخليجية التي سوف تتأثر تأثرا اقتصاديا سيئا وقويا.

يتعين على إسرائيل، على الرغم من نجاحاتها الاستراتيجية النسبية، أن تتجنب هي أيضا الهجوم على إيران. إن الخسائر المسجلة في صفوف المدنيين في تل أبيب ورامات جان، إلى جانب الصورة المشوهة لدى المجتمع الدولي نتيجة أعمالها الجرائم المقترفة في غزة، تشارك في إضعاف مكانتها لدى دول العالم التي بدأ بعضها يرفض تماما الحرب ويدعو إلى محاكمة سلطاتها. إن التصعيد المطول من شأنه أن يهدد الاتفاقيات الإبراهيمية مع الإمارات وحتى البحرين، وقد يثبط عزيمة حلفاء إسرائيل الغربيين، بما في ذلك الولايات المتحدة، حيث يعارض 60% من الجمهوريين التدخل العسكري الخارجي، كما أن من شأنه أن يعرض إنجازاتها للخطر، إضافة إلى تحقيق مكاسب دبلوماسية كبيرة.

وإذا تأملنا إلى المصالح الاقتصادية والاستراتيجية المباشرة، نرى أن دول الخليج مثل قطر والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان تعطي الأولوية للاستقرار في المنطقة؛ شرطًا أساسيًا لنجاح مشاريعهم الاقتصادية الحيوية. إن إغلاق مضيق هرمز، بسبب هجوم إيراني جديد، سيكون كارثيا بالنسبة لاقتصادات الدول المعتمدة على النفط، ولكن أيضا لجميع البلدان التي ستتضرر بشدة من ارتفاع أسعار النفط الخام. إن القواعد الأميركية في دول الخليج، مثل العديد، ستتعرض لهجومات ، لأن إيران ستحاول الانتقام بضربها، مما يؤدي إلى فتح مزيد من الجبهات في المنطقة، وهذا بغض النظر عن المشاريع الاقتصادية الأمريكية والخليجية الضخمة التي ستتعرض للخطر. ومنذ الاتفاق السعودي الإيراني عام 2023، اعتمدت هذه الدول بشكل متزايد على الدبلوماسية لتجنب التصعيد في المنطقة.

إن الولايات المتحدة في عهد ترامب تتجنب التدخل العسكري الأجنبي المكلف وغير الشعبي (53% من الجمهوريين يعارض التدخل). إن الحرب إذا استمرت سترتفع أسعار النفط وخسائر عسكرية محتملة في القواعد الأميركية الموجودة في دول الخليج، في الوقت الذي تتضرر أصلا بسبب منافستها مع الصين، والتي أصبحت واحدة من أهم التحديات الجيوسياسية بالنسبة لواشنطن.

إن وقف إطلاق النار الذي تمليه الواقعية المشتركة يظل هشًا ويجب على جميع الأطراف المعنية أن يحافظ على استمراره، لأن المزيد من الهجمات التي تشنها إسرائيل أو إيران ــ سواء كانت ضربات على مواقع استراتيجية أو استفزازات لفظية ــ قد يؤدي إلى تحطيم هذه الهدنة - الهشة - وإدخال المنطقة في الفوضى. ويجب على الأطراف الفاعلة إعطاء الأولوية للدبلوماسية، بدعم من وسطاء مثل قطر وعمان، لتعزيز السلام في هذه المنطقة حيث أن اندلاع حرب جديدة سيكون كارثيا على الشرق الأوسط والسلام العالمي.