Sacré-Coeur 3 – BP 15177 CP 10700 Dakar Fann – SENEGAL.
+221 33 827 34 91 / +221 77 637 73 15
contact@timbuktu-institute.org
عتبر الأستاذُ الدكتور باكري صمب، المؤسسُ والمديرُ الإقليمي لـ "معهد تمبكتو -المركز الأفريقي لدراسات السلام" الذي انتشر في كل من باماكو (مالي) وداكار (السنغال) ونيامي (النجير)، أحدَ أكبر المتخصصين في النزاعات الدينية والشبكات العابرة للحدود في الساحل، ويركز عملُه في المعهد على محاولة إيجاد حلول مستدامة في مناطق الأزمات. وفي إطار استعداده لإطلاق " مرصد التطرف والصراعات الدينية من أجل الصمود والديمقراطية في غرب أفريقيا "، شارك الدكتور في منتدى داكار الدولي للسلام والأمن وأكد أهمية نهج الأمن البشري. وقد أجرينا هذه المقابلةَ معه في أعقاب هذه المداخلة التي تركزت على الحاجة الملحة إلى التوفيق والتنسيق بين التعاون الدولي والاستراتيجيات المحلية
س: سعادة الدكتور، تُشارك منذ سنوات عديدة في منتدى داكار الدولي الذي تنظم السنغالُ نسختَه التاسعةَ في عام 2023، ما مكان ودور هذا اللقاء في بلورة التفكير الاستراتيجي بشأن قضايا السلام والأمن في أفريقيا؟
د .باكري صمب: إن تنظيم السنغال لهذا المنتدى يعزز بكل تأكيد موقعَها الاستراتيجي وخصوصيتها في القارة الإفريقية كنموذج المرونة والصمود أمام التحديات والأزمات. والسنغال، باعتبارها استمرارية اجتماعية وسياسية وتاريخية للعالم العربي الذي يقع مباشرة في جنوب موريتانيا، تحتل مكانة خاصة في العالم الإسلامي لكونها من الدول القليلة التي استضافت مرتين قمة منظمة التعاون الإسلامي. ولكن لابد من التنبيه إلى أن تطور السياق الجيوسياسي الإقليمي المحفوف بالمخاطر يتزامن مع نقطة تحول حاسمة على المستوى الجيوستراتيجي بالنسبة للسنغال وخاصة مع قرب فترة استغلالها للموارد المعدنية والطاقة التي تأتي في وضع عصيب ومعقد نتيجةَ المنافسات الدولية التي أججتها حرب روسيا مع كرانيا وآثارها المختلفة. وتعد السنغال أيضا من أهم مقاصد الجامعات دون الإقليمية والمؤسسات البحثية ومراكز الفكر الدولية مثل مركز الدراسات العليا للدفاع والأمن (CHEDS)، والمقر الإقليمي لمعهد تمبكتو لدراسات السلام الذي يغطي المنطقة بأكملها، ومعهد الدراسات الأمنية (ISS)، ومركز أفريكا جوم ومركز أبحاث غرب أفريقيا (WATHI)، ومبادرة الاستبصار الزراعي الريفي (IPAR)، وغيرها.
وإذا دققنا النظر نجد أن كلا من هذه العوامل يدفع السنغال إلى أن يتبوأ مقعدا مركزيا من رقعة الشطرنج الجديدة لاقتصاد المعرفة والتفكير الاستراتيجي. وعلى الرغم من أن إعادة تموضعها في العلاقات العربية الأفريقية منذ قمة الجزائر جزء من المنصة الدبلوماسية الإقليمية، إلا أن رئاستها أخيرا للاتحاد الأفريقي تعزز موقفها على الساحة الدبلوماسية والدولية، وخاصة في عمليات إعادة التشكيل الجديدة بين بلدان الجنوب. ولذلك، نرجو ونأمل أن يتفهم شركاء أفريقيا التقليديون ويقبلون التغييرات العميقة في علاقاتنا مع الآخرين ويعلمون أنها لا تمثل أبدا تحديات ولا تعني انعدام ثقة وإنما هي فرصة ثمينة يجب اغتنامها من أجل الانطلاق من أسس جديدة
س: تتعرض منطقة غرب أفريقيا، كغيرها من مناطق القارة، لأزمات متعددة الأشكال منذ سنوات عديدة مع عدم الاستقرار المؤسسي والتوترات الأمنية، ما هي الطرق والسبل الناجعة لوضع الحد لهاتين الظاهرتين؟
د. باكري صمب: لقد سمح التفكير المثار على هامش المنتدى في مختلف الورشات وحلقات العمل بإعادة تأكيد رغبة الدول والشركاء في إعطاء الاستراتيجيات المحلية مزيدا من الوزن في سبيل البحث عن حلول في المنطقة. وخلال حلقة النقاش المعنية بالأمن البشري التي شاركتُ فيها ذكرتُ أن الحقيقة المحزنة هي أن الدول والشركاء الدوليين فشلوا في حربهم ضد الإرهابيين في منطقة الساحل وفي التصالح مع السكان المحليين بالرغم من أكثر من عقد من الالتزامات. ولذلك، لقد تركز قدر كبير من النقاشات على كيفية البناء على أسس جديدة لتحقيق القاسم المشترك المتمثل في الأمن الجماعي وإجراء التحول النموذجي الضروري، ورأينا أن ذلك يبدأ بالاعتراف بكل تواضع فشلنا المشترك في استعادة السلام في المنطقة.
ولا يخفى عليكم أن المنتدى انعقد في سياق تتضاعف فيه تساؤلات بسبب الانقلابات العسكرية المتزايدة في المنطقة الفرعية وزيادة حدة الهجمات الإرهابية على الرغم من وعود الحكام العسكريين باستتباب الأمن والسلام. وعلاوة على ذلك، فإن إنشاء ائتلافات جديدة مثل تحالف دول منطقة الساحل (الذي يجمع بوركينا فاسو ومالي والنيجر) في إطار ما يسمى بميثاق ليبتاكو-غورما إشارةٌ مقلقة حتى وإن كان البعض يرى أنه جهد تآزري يستحق الترحيب. وبدلا من تنسيق وتوحيد الجهود في المنطقة، فإن هذا التحالف التي يجمع الأنظمة العسكرية يساهم في تضعيف الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) ومجموعة دول الساحل الخمس اللتين تلعبان دورا رئيسا في الحرب ضد الإرهاب في منطقة الساحل وغرب أفريقيا بشكل عام. ولذلك فإن تأسيسه يقلل الجهود الإقليمية لمكافحة الإرهاب، علما بأن الدول الأخرى قد تشعر بأنها مستبعدة أو مهمشة مما يؤدي إلى تقويض مساعي التعاون والتنسيق اللازمة للتصدي بفعالية للتحديات الأمنية المشتركة، فضلا عن تأثيره السلبي على جهود الاتحاد الأفريقي وتعقيد محاولاته لتنسيق الجهود الأمنية على المستوى القاري.
وأعتقد أن هذه التحديات هي التي دفعت الرئيسَ ماكي سال إلى توجيه نداء إلى جميع البلدان - ولا سيما العسكريون - لتجنب تفاقم الحالة الإقليمية المقلقة. وفي الحقيقة، ستكون هناك حاجة إلى إيجاد حلول عاجلة من حيث توطيد سيادة القانون وتعزيز الأمن الجماعي من خلال تجميع المبادرات على نحو أفضل كما اقترحه الرئيس السنغالي، (وقد ناقش المنتدى أصلا قضية إعادة تفعيل القوة الاحتياطية الأفريقية) ولن تكون الحلول فعالة إلا باستخدام منهج شمولي كما اقترحه الرئيس السنغالي لتعجيل تنمية بلدان القارة من خلال تشجيع الاستثمار وتعزيز رأس المال البشري اللذين لا ينفصلان عن حتمية السلام والأمن
س: ما مدى فعالية إشراك الحلول المحلية في حل الأزمات التي تهز غرب إفريقيا والساحل؟
د. باكري صمب: ظهر في كل من الكلمة الافتتاحية للرئيس ماكي سال والخطابات الأخرى اهتمام جديد حول التوفيق والتنسيق بين المقاربة الدولية والاستراتيجيات المحلية، ولعل النزعة العالمية المشتركة التي برزت خلال المنتدى هي الوعي بأهمية إعادة تنشيط الآليات المحلية مثل الحوار والوساطة، والرغبة العامرة في استخدام مختلف المقاربات المنهجية للوصول إلى تحقيق الأمن.
لقد أعددتُ أخيرا كُتيبا حول الممارسات الجيدة للقدرة على الصمود في المناطق الحدودية، وقد ذكرتُ فيه أن مجتمعاتنا تمتلك إمكانيات هائلة لتحويل بعض التهديدات إلى فرص للتآزر، وأنه يتعين علينا أن نأخذ في الحسبان حقائق واهتمامات السكان المحليين في القضاء على الإرهاب، كما يجب أن نتوقف عن إهمال الموارد المحلية والمراجع الثقافية وذلك للقضاء على التوترات والاستفادة بشكل أفضل من الآليات التقليدية للوساطة وإدارة الصراعات. وعلى أية حال، أبقى مقتنعا بأن محاولة استعادة الأمن الإقليمي باتخاذ مواقف متطرفة وقصيرة الأجل لن تؤدي إلا إلى تفاقم الحالة في بلدان المنطقة، كما أنه ليس من الواقعية التجاهل بأن الأنظمة العسكرية ترغب في البقاء طويلا على رأس البلاد التي تحكمها وبالتالي يجب التعامل معهم وجعلهم أجزاء متحاورين في استكشاف الحلول. ومن الضروري الابتعاد عن المواقف المتطرفة ونبذ الآخر وتجديد خيط الحوار لصالح السكان الذين يعانون من انعدام الأمن والصعوبات الاقتصادية. وينبغي للشركاء الدوليين أيضا أن يفهموا أن الحوار وتوافق الآراء لا يعنيان بأي من الأحوال الحلول التوفيقية، بل إنهما فضيلتان أساسيتان أفريقيتان ينبغي استكشافهما للخروج من المآزق، وهذا ينطوي في مصلحة جميع بلدان المنطقة وفي التعاون الذي يتم بناؤه على أسس جديدة وفقا لتطور العالم والتطلعات السيادية للأجيال
source : Le Soleil