
Sacré-Coeur 3 – BP 15177 CP 10700 Dakar Fann – SENEGAL.
+221 33 827 34 91 / +221 77 637 73 15
contact@timbuktu-institute.org
الدكتور باكري سامب
مدير معهد تمبكتو – المركز الأفريقي لدراسات السلام
كانت الأنظار كلها متجهة نحو الدوحة في مارس 2025 بمناسبة الاجتماع التاريخي في العاصمة القطرية بين رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، السيد فيليكس تشيسكيدي، ورئيس دول رواندا، بول كاغامي، تحت رعاية الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والذي أسفر عن الالتزام بوقف إطلاق النار "الفوري وغير المشروط". وكان هذا الحدثُ الذي يعد واحدًا من أهم الأحداث في التاريخ الدبلوماسي لهذا العقد بعيداً كل البعد عن الخيالات والتوقعات؛ غير أنه يأتي تتويجا لجهود دبلوماسية متواصلة ت تنمو وتزدهر منذ عام 2024 عندما شاركت دولة قطر في أعمال الوساطة في هذا الصراع الذي يجر المنطقة بأكملها إلى تصعيد له عواقب لا يمكن قياسها. وهذه الوساطة الناجحة تبرز دور دولة قطر بوصفها قوة دبلوماسية رائدة في فض النزاعات وأداة فاعلة في تسوية العديد من الأزمات الدولية في عالَمٍ تزيد فيه النزاعاتُ الدولية والتوترات الجيوسياسية، ولا سيما أن العديد من الدول الأفريقية لم تفلح في جهودها لحل الأزمة التي أودت بحياة مئات أفراد.
وإذا نظرنا إلى ناحية العلاقات الدولية، فإن دولة قطر تمثل التجسيد الجيوسياسي الحقيقي للتحول النموذجي من منطق القوة إلى منطق النفوذ، وتسعى إلى تأكيد نفسها كفاعل دبلوماسي حقيقي ذي المساعي الحميدة في الوساطة وحل النزاعات في جميع أنحاء العالم وبشكل متزايد في أفريقيا. ويأتي هذا الإسهام القدير في إطار سياسة خارجية تهتم أكثر فأكثر بلعب دور محوري في الحل السلمي للنزاعات، كما نصت عليه المادة السابعة من دستورها، وتهدف إلى تعزيز نفوذها كعملاق جيوسياسي على الرغم من حجمها الجغرافي.
ولا نزال نذكر أن قطر نجحت في عام 2021 في التوسط لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين جمهوريتي الصومال وكينيا بهدف تحقيق السلم والاستقرار الدوليين، كما قامت بجهود الوساطة في الصومال لحل الخلافات السياسية المتعلقة بالانتخابات، وذلك عبر الحوار والتوافق الشامل بين الأطراف الصومالية. وعملت الوساطة نفسها أثناء الصراع الذي اندلع في دارفور بين عامي 2008 و2011، من خلال استضافتها المفاوضات في الدوحة وتسهيل توقيع اتفاق بين الحكومة السودانية وبعض الجماعات المتمردة، ولا سيما حركة العدل والمساواة. لقد نجحت هذه المبادرة في الجمع بشكل رائع بين الدبلوماسية رفيعة المستوى والحوار مع قادة المجتمع، وقد شكل ذلك خطوة مهمة أظهرت قدرة قطر على حشد الموارد المالية والدبلوماسية اللازمة لدعم المحادثات. ويضاف إلى ذلك الدور الكبير الذي لعبته الدوحة في محادثات جدة التي قادتها السعودية والولايات المتحدة. وفي المنوال نفسه، استضافت قطر، في خضم الأزمة التشادية في عام 2022، مفاوضات في الدوحة بين الحكومة الانتقالية وأكثر من 40 مجموعة معارضة، مما أسفر عن اتفاق إطاري لحوار وطني شامل.
وقد أظهر هذا الجهد قدرة قطر على العمل كطرف محايد، وتوفير مكان مقبول من قبل الجميع والدعم اللوجستي، قبل أن تصبح وسيطاً رسمياً بناء على طلب الأطراف، كما جرت وساطة مماثلة في منطقة القرن الأفريقي، وخاصة في الصومال، حيث سعت البلاد إلى توحيد الفصائل المتعارضة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مثل تلك التي بين الحكومة الفيدرالية الانتقالية واتحاد المحاكم الإسلامية.
وفي الحقيقة، إذا كانت قطر قادرة على تحقيق هذا الأداء الدبلوماسي، فذلك لأنها تمكنت من تطوير نهج يتناقض مع نهج منافسيها الإقليميين من خلال قبول علاقات متنوعة مع الدول الأفريقية دون المطالبة بالحصرية. ولهذا السبب فإنها تشارك كحلقة وصل أساسية في الاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط، وتستخدم قوتها الناعمة أيضًا، وتعزز صورتها من خلال المساهمة البناءة والإيجابية مع الحفاظ على موقف شامل، وإعطاء جميع الجهات الفاعلة من الدول وغير الدول مكانها إذا لزم الأمر.
وفي سياق منطقة الساحل، حيث سيكون من الضروري-عاجلاً أم آجلاً- إيجاد استراتيجيات للخروج من الإرهاب مع المفاوضات الحتمية وإعادة دمج المقاتلين السابقين من أجل تحقيق السلام الدائم، فإن تجربة قطر وخاصة مشاركتها الكاملة يمكن أن تكون حاسمة، في السنوات القادمة، بالنظر إلى خبرتها السابقة في هذا المجال، كما يذكرنا الصراع الأفغاني الذي بالرغم من عقده فإن قطر نجحت في تحقيق نتائج إيجابية.
من صحيفة “لوسولي” اليومية السنغالية الرسمية الصادرة في 27مارس 2025*