الشرق الأوسط: من فرص السلام الضائعة إلى التصعيد الإسرائيلي الإيراني ؟

الدكتور باكري سامب/ مدير معهد تمبكتو لدراسات السلام

منذ عدة عقود، اشتعلت نار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني كركيزة أساسية للصراع العربي الإسرائيلي، و تفاقمت بفعل التصعيد الحالي للتوترات بين إسرائيل وإيران إلى حد غياب الأمل في رجوع السلام والمصالحة. ومع الهجومات الإسرائيلية على الأهداف المرتبطة بإيران في سوريا ولبنان، ودعم طهران لحماس وحزب الله، والدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل، تحولت القضية الفلسطينية إلى صراع جيوسياسي أوسع نطاقًا وأبعد مدى مما كانت في السابق. ورغم المبادرات الدبلوماسية الجريئة والوساطة الدولية التي بادرتها بعض الدول والمنظمات، تبددت فرص السلام باستمرار، وقوضتها الخلافات العميقة والعنف وانعدام الثقة المستمر. ويمكن إعادة النظرة إلى بعض الوقائع التاريخية لفهم هذه الفرص الضائعة التي لا تزال تشوه وجه المنطقة الخائضة في أزمة دائمة :

في عام 1947، العرب الذين عارضوا قيام دولة إسرائيل رفضوا خطة التقسيم التي اقترحتها الأمم المتحدة بقصد قيام دولتين في أرض فلسطين، وأدت حرب عام 1948 والنكبة، التي هجّرت 700 ألف فلسطيني، إلى ترسيخ انقسام دائم. في عام 1967، أتاحت حرب الأيام الستة فرصة جديدة بصدور القرار 242، الذي طالب بانسحاب إسرائيلي من الأراضي المحتلة مقابل السلام؛ إلا أن غموض القرار ورفض العرب التفاوض مباشرة، وبدء الاستعمار في الضفة الغربية، حطم هذا الأمل. كما مثّلت اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978 نقطة تحول إذ وُقّعت اتفاقية السلام بين إسرائيل ومصر، لكن الفلسطينيين الغائبين عن المناقشات ظلّوا مطروحين في ظلال التهميش. وافتتح مؤتمر مدريد (1991) حوارًا غير مسبوق، لكنه واجه خلافات مستمرة. في عام 1993، أحيت اتفاقيات أوسلو الأمل بوعد قيام دولة فلسطينية، إلا أن استمرار الاستعمار الإسرائيلي، واغتيال إسحاق رابين عام 1995، وهجمات حماس، أشعلت شرارة الانتفاضة الثانية (2000-2005)، وخيبت هذا الحلم.

وكان عام 2000 لحظة محورية أخرى، وذلك لأنه في كامب ديفيد، اقترح إيهود باراك دولة فلسطينية تغطي 91٪ من الضفة الغربية وغزة، لكن ياسر عرفات رفض، مطالبًا بالمزيد في القدس واللاجئين. هذا الفشل الذي أعقبه موجة من العنف كان السبب الحقيقي في دفن المفاوضات.

حاولت خريطة الطريق الرباعية (2002) ومبادرة جنيف (2003) إحياء العملية، لكن الاستعمار والتعنت من كلا الجانبين - شارون في إسرائيل، والانقسامات بين فتح وحماس - أعاقت هذه الجهود. في عام 2020، أدت خطة ترامب المؤيدة لإسرائيل واتفاقيات إبراهيم، التي تطبع العلاقات مع العديد من الدول العربية، إلى تهميش الفلسطينيين، الذين رفضوا الصفقة واعتبروها اقتراحًا غير متوازن.

منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، والذي أسفر عن مقتل 1200 إسرائيلي، والرد اللاحق في غزة، والذي خلف أكثر من 27000 قتيل في فلسطين أكثرهم أطفال ونساء، وفقًا لوزارة الصحة المحلية، تعثرت محادثات وقف إطلاق النار ولاقت فشلا ذريعا. ويضاف إلى ذلك أن المطالب المتضاربة - تدمير حماس لإسرائيل، والانسحاب الكامل للفلسطينيين - تعيق أي تقدم، مما يشير إلى أنه على المدى القصير، يبدو السلام بعيد المنال، لا سيما وأن التنافس الإسرائيلي الإيراني، الذي اتسم بالضربات والحروب بالوكالة، يُغذي عدم الاستقرار. ويمكن للضغط الدولي، لا سيما من الأمم المتحدة والدول العربية المعتدلة، أن يُنعش المبادرات القائمة على حل الدولتين، علما بأنه على المدى الطويل، سيتطلب التوصل إلى تسوية نهائية تنازلات شجاعة تشمل ما يلي : إنهاء النشاط الاستيطاني، والاعتراف المتبادل، والوساطة المحايدة. ربما تستطيع الأجيال الشابة، التي سئمت الوضع الراهن، أن تُقدم زخمًا متجددًا، لكن التغلب على إرث انعدام الثقة والألم، الذي تضخم بفعل التوترات الإقليمية، لا يزال يُشكل تحديًا هائلًا.

تتجذر هذه الإخفاقات في عدة ثوابت: الخلافات حول القدس واللاجئين والحدود والمستوطنات؛ والعنف المتطرف الصادر من كلا الطرفين؛ والانقسامات الداخلية؛ والتدخل الخارجي، مثل الدعم الإيراني لحماس، مما جعل السلام صعب المنال، واليوم، لا يزال سكان غزة يعيشون تحت تصبب القصف، ويواجهون وضعًا إنسانيًا مأساويًا. إن هذه المعاناة الصعبة والمؤسفة، والتي تفاقمت اليوم بفعل خطر التصعيد غير المسبوق، يجب أن تدفع المجتمع الدولي إلى إيجاد حل لهذا الصراع الذي طال أمده.

فبدون حل نهائي له، سيظل العالم اليوم بعيدًا كل البعد عن ضمان السلام والأمن، مما يترك المنطقة - وما وراءها - في حالة من عدم الاستقرار المزمن، ويبقى سؤال جوهري: كم من الوقت والموت والدمار والأزمات والصراعات المتواصلة سيمر قبل أن نلتقي مجددًا مع التاريخ ومع السلام؟