المصالحة في المغرب العربي ركن أساسي للاندماج الأفريقي

الدكتور باكري سامب – مدير معهد تمبكتو لدراسات السلام

يحتل المغرب العربي موقعًا محوريًا في مشروع التكامل الأفريقي الكبير المنشود الذي يشغل بال القادة، حتى وإن كان هناك مفارقة أو تناقضا كبيرا، وذلك لأن المنطقة تتمتع بموارد استراتيجية كبيرة غير أنها ما زالت من بين أقل المناطق تكاملًا وتماسكا في القارة، ولعل السبب يرجع إلى أمور كثيرة من أهمها التوترات المستمرة. لكن أيا كان الأمر، فإن المصالحة الدائمة بين دول المغرب العربي قد تكون الحافز الذي طال انتظاره للوحدة الأفريقية، لأن سكان هذه الدول البالغ عددهم 100 مليون نسمة، والمتمتعة بموارد وفيرة من الطاقة، وموقع جغرافي فريد بين أوروبا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، يمتلكون جميع المقومات لتصبح بلادهم مركزًا للاستقرار والنمو. وتُعد بنيته التحتية للموانئ والطرق من بين الأكثر تطورًا في القارة. وتُدرّب جامعاته آلاف المهندسين والمدراء سنويًا، ومع ذلك، لا تُمثل هذه المنطقة سوى 3% من التجارة البينية الأفريقية، وهو رقم ضئيل مقارنةً بإمكانياتها الحيوية لتنمية القارة. ويعود هذا الوضع في المقام الأول إلى الانقسامات السياسية التي تعيق أي تعاون معمق.

ويجسد إغلاق الحدود البرية بين دول المغرب العربي الرئيسية منذ عام 1994 هذا الوضع، ولا يزال اتحاد المغرب العربي الذي تأسس عام 1989 حبراً على ورق، مشلولاً بالخلافات والصراعات الجيوسياسية. وهذا الوضع لا يحرم شعوب المغرب العربي من آفاق التنمية فحسب، بل يُضعف أيضاً بشكل كبير صوت أفريقيا على الساحة الدولية.

ولهذا نرى أنه ستُسفر المصالحة المغاربية الحقيقية عن آثار إيجابية تتجاوز حدود المنطقة، في مجالات شتى. فمن الناحية الاقتصادية، ستُنشئ سوقاً متكاملة واسعة تُصبح بطبيعة الحال حلقة الوصل بين أفريقيا جنوب الصحراء وأوروبا، وستجد الشركات الأفريقية فيها منصة مثالية للوصول إلى الأسواق الأوروبية، بينما سينجذب المستثمرون الأجانب إلى هذه المنطقة المُستقرة المُتجددة. وعلى الصعيد الأمني، سيُشكل تعزيز التعاون بين أجهزة الاستخبارات والجيوش المغاربية حصناً منيعاً ضد الجماعات الإرهابية والاتجار بجميع أنواعه، كما سيُحسّن الإدارة المشتركة لتدفقات الهجرة مع احترام الحقوق الأساسية.

ولتحقيق هذه المصالحة، لا بد من اتخاذ عدة خطوات: أولاً، بناء الثقة مثل إعادة فتح الحدود تدريجياً، وتطوير التبادل الأكاديمي والثقافي، وثانيًا تنفيذ مشاريع تكامل ملموسة، بما فيها ربط شبكات الكهرباء، وإنشاء ممرات عابرة للمغرب، وتوحيد اللوائح التجارية. وعلى نفس المنوال، يبدو إحياء اتحاد المغرب العربي على أسس جديدة أمرًا بالغ الأهمية، ويمكن لهذه المؤسسة أن تستلهم نموذج الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في غرب أفريقيا، من خلال تزويد نفسها بآليات وساطة فعالة وتبني نهج عملي قائم على القطاعات.

وللاتّحاد الأفريقي، من جانبه، دورٌ حاسم في دعم عملية المصالحة التي نحن بصددها، وذلك لأنه في الوقت الذي تسعى فيه أفريقيا إلى السيطرة على مصيرها في مواجهة الاضطرابات الجيوسياسية العالمية، لم تعد المصالحة المغاربية خيارًا بل ضرورة تمثل أكثر بكثير من مجرد تطبيع بسيط للعلاقات بين الجيران ، وتظل مُسرّعًا هائلًا للتكامل القاري، ودليلًا على قدرة أفريقيا على تجاوز انقساماتها لبناء مستقبل مشترك.