لماذا على الدول العربية تكثيف استثماراتها في السنغال؟

 

بقلم الدكتور باكري سامب
مؤسس ومدير معهد تمبكتو - المركز الأفريقي لدراسات السلام

في عالم يشهد تحولات جيوسياسية متنوعة، تبرز السنغال كوجهة استراتيجية للمستثمرين من العالم العربي، وخاصة دول الخليج التي تسعى إلى تنويع استثماراتها بعيدًا عن قطاع النفط. وتمتاز السنغال بكونها دولة صغيرة لكنها تحتل موقعا استراتيجيا بالغ الأهمية، وتتصف بالاستقرار والديناميكية حيث توفر فرصًا اقتصادية وثقافية فريدة، تعكس التوسع الناجح للمغرب في أفريقيا. بفضل ديمقراطيتها الراسخة ورؤية القيادات الثاقبة والتي تتلخص في خطة " السنغال 2050م"، تهدف البلاد إلى أن تصبح مركزًا اقتصاديًا إقليميًا، يجذب المستثمرين العرب بتوفيرهم بيئة أعمال آمنة وناجحة.

يقع ميناء داكار على منعطف الطرق البحرية، ويسهل الوصول إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) التي هي سوق تضم 424 مليون مستهلك. ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي للبلاد 734.8 مليار دولار أمريكي (2023)، مع نمو في التجارة (15% داخل المنطقة في عام 2024، و64 مليار يورو مع الاتحاد الأوروبي). ويبدو أن الإمارات العربية المتحدة تدرك هذا الواقع، ولذلك لقد استثمرت بجدية في مجال تطوير الموانئ.

وتُعدّ الزراعة، التي تُوظّف 70% من السكان، ركيزةً أساسيةً من ركائز الاقتصاد، كما تُوفّر مشاريع - مثل مشروع تطوير المباني السكنية وتعزيز انتقال الأماكن العشوائية إلى الحضر والذي بات معروفا بـ (Promoville2) (بقيمة 55.33 مليون يورو)- ما يبلع 1250 مزرعةً و180 وحدةً للثروة الحيوانية، مما يُتيح لدول الخليج فرصةً لتأمين إمداداتها الغذائية المُستدامة في السنوات القادمة. وتلعب المملكة العربية السعودية، التي تميّزت بدعمها المُستمر للسنغال، لا سيما في مجال بناء البنية التحتية ودعمها المالي المُستمر، دورًا محوريًا في هذا التوجه الجديد لتعزيز التبادلات الاقتصادية بين السنغال والعالم العربي.

وتستفيد دولتنا أيضا من سكانها الشباب والنشطين (60% منهم دون سن 25 عامًا) الذين يمتازون بالتوجه نحو الابتكار: ففي عام 2022، أنشأ 600 شابّ، درّبتهم منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، 138 مشروعًا زراعيًا. وتُعزّز استراتيجية السنغال الرقمية 2025 (بقيمة 1.7 مليار دولار أمريكي) قطاع التكنولوجيا الزراعية والشركات الناشئة، وتتيح فرصةً للاستثمار في قطاعٍ يُمكن لرأس المال الخليجي - المُنخرط في مجال التكنولوجيا - أن يزدهر فيه خلال العقد المُقبل. ويضاف إلى ذلك أنه في ظل التوترات والعراك بين الغرب وروسيا والصين، وانسحاب بعض الدول الأفريقية من المنظمة الإقليمية (إيكواس)، تُرسّخ السنغال مكانتها كشريك استراتيجي موثوق، مُنوّعةً تحالفاتها من خلال منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، وهذا مع الأخذ في الاعتبار أن أفريقيا، بما تتمتع به من إمكانات نمو، تُقدّم بديلاً استراتيجياً لدول الخليج لتنويع استثماراتها، وتقلل اعتمادها على الهيدروكربونات، والأسواق المتقلبة، والقيود الدولية.
على سبيل المثال، لم يعد يخفى على أحد أن دولة المغرب التي تستثمر حالياً في 40 دولة أفريقية تتبوأ الصدارة في قطاعات المصارف والاتصالات والأسمدة. وتُظهر اتفاقياتها مع السنغال في مجالات الزراعة والتدريب، إمكانات الشراكات العربية الأفريقية التي تُركّز على التنمية المشتركة.

وإذا أردنا مثلا آخر، يمكننا أخذه من الإمارات العربية المتحدة التي نرى أنها مثال يجب أن تحتذي به دول الخليج الأخرى، وذلك لأنها تتمتع بحضور اقتصادي أقوى في القطاعات الاستراتيجية. أما قطر - التي أثبتت بالفعل قدرتها على اختراق أسواق مُعقّدة حول العالم باستثمارات ضخمة في أوروبا والولايات المتحدة، والتي استفادت من دبلوماسيتها المؤثرة - فيمكنها توسيع نطاق هذه التجارب لتشمل أفريقيا، وخاصةً السنغال التي تصطاف كأحد شركائها الاستراتيجيين في القارة.

وإذا أعمقنا النظر، سنكتشف أن دول أفريقيا، وخاصة السنغال التي تعطيها التوقعات نموا قدره 6.1% في عام 2024، تُمثل أمام أنظار دول الخليج فرصةً لتنويع الاستثمارات في الصناعات الزراعية، والطاقة المتجددة، والبنية التحتية. وتُعزز مبادراتٌ مثل الاقتصاد الأخضر في السنغال جاذبية هذه القطاعات، فضلا عن إمكاناتها الزراعية الهائلة، وشبابها المُبدع (138 شركة مُنشأة)، واستقرارها. وعلى ذلك، يجتمع لدينا كل الأدلة لنؤمن بأن السنغال تمثل بوابةً للعالم العربي إلى أفريقيا. ومن خلال اتباع نموذج المغرب، يُمكن لدول الخليج اغتنام هذه الفرصة لتعزيز الروابط الثقافية، ودعم رؤية السنغال 2050 لتحقيق الرخاء المشترك.